بدأ علي عباس قبل ثلاثة أشهر بتعلم اللغة الكردية، شأنه في ذلك شأن الكثير من العرب الذين يعيشون في شمال العراق، ووجدوا أن تحدث الكردية بطلاقة أمر حيوي لإيجاد فرصة عمل في هذه المنطقة.
تخرج عباس البالغ من العمر 24 عاماً من كلية العلوم في جامعة صلاح الدين في أربيل ويريد البحث عن عمل في كردستان لأن أسرته التي هجرت بغداد منذ عامين هرباً من الوضع الأمني لا تخطط للعودة حتى يصبح الوضع أكثر أماناً.
وقال عباس بلغة كردية مكسرة: "لأكون صادقاً، أنا لا أريد العمل في محلات التسوق لأنني خريج جامعي، بل أود العمل في منظمة غير حكومية أو شركة لكن علي أن أتحدث الكردية بشكل جيد لأجد عملاً".
إن الكثير من الأكراد اليوم، وخصوصاً الجيل الشاب، لا يستطيع التحدث بالعربية، بينما يتحدث الأكبر سناً العربية بشكل جيد جداً لأنهم خدموا في الجيش العراقي وعملوا في أنحاء أخرى من العراق. لكن بُعَيْد انتفاضة 1991 باتت اللغة الانكليزية أكثر شعبية من العربية بين الأكراد، ما جعل التواصل صعباً بين الأكراد والعرب.
ومنذ ثلاثة أشهر مضت بدأت منظمة تمكين الشباب الكردستاني وبمساعدة من وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID) دورةً لتعليم اللغة الكردية لحوالي 500 عراقي من النازحين الذين يعيشون في إقليم كردستان العراق.
تقع المدارس التي تُجري هذه الدورة في حي عين كاوا ذي الأغلبية المسيحية في أربيل. وقد وُزِّعت الصفوف بحسب أعمار الطلاب، وتبلغ أعمار الطلاب في أحد الصفوف 50 عاماً وما فوق.
وقال شاد محمد رئيس منظمة تمكين الشباب الكردستاني أن الوكالة الأمريكية قد رصدت مبلغ 500,000 دولار أمريكي لهذا المشروع، وأضاف أن: "كل طالب يحصل على 5 دولار يومياً من أجل النقل بينما يحصل المدرسون على أجر شهريّ".
ووفقاً لمحمد: سجل حوالي 2000 شخص لحضور دروس اللغة الكردية، لكن لا يمكن قبول سوى 500 شخص بسبب محدودية الدعم المالي، حيث قال: "نريد لهذه الدورة أن تتواصل وأن يفسح المجال لأي شخص بالمشاركة فيها، لكننا نحتاج إلى الدعم".
ويرى محمد أن ثمةَ ثلاث سبل ممكنة لتغطية تكاليف الدورة، فالوكالة الأمريكية قد تقدم أموالاً أكثر، كما يمكن لوزارة التربية في حكومة إقليم كردستان أن تتدخل أو أن يتمكن الطلاب بأنفسهم من دفع نفقات دراستهم. وقال محمد بهذا الشأن: "تحدثنا مع وزارة التربية عن التمويل وكان الجو إيجابياً".
وعبر الطلاب الذين لم يسمح لهم بالتحدث في الصفوف إلا باللغة الكردية عن سعادتهم بهذه الدورة. ويقول دومينيك سافين (17 عاماً): "أتحدث في سوق المدينة مع أصحاب المحلات بالكردية ولا أجد أية صعوبة في ذلك". ويضيف دومينيك الذي نزحت أسرته من كركوك قبل عامٍ مضى: "أصبحت الآن أتفاهم مع أصدقائي الأكراد في المدرسة دون صعوبة".
ويشاهد الطلاب كجزء من الدورة فيلماً كردياً كل أسبوع ويناقشونه. وسرعان ما بدأوا يزورون المحلات التجارية والساحات العامة في مجموعات بغية التحدث مع السكان الأكراد المحليين. كما زار عناصر من شرطة المرور الأكراد صفوف الدورة للتحدث مع الطلاب بالكردية عن قوانين المرور في أربيل.
وتكمن الغاية من تعلم الكردية بالنسبة للطلاب الكبار في السن بشكل أساسي في الحصول على عمل. ويقول باسم عمر وهو مهندس ميكانيك: "ذهبت إلى شركة كوكا كولا في مدينة أربيل طلباً للعمل، لكن مدير الشركة قال أنه لا يستطيع أن يمنحني عملاً لأنه يحتاج إلى مهندس يستطيع التحدث بالكردية، ما جعلني أبحث عن طريقة لتعلم الكردية".
وقد أصبحت الدورة معروفةً بين العرب والأسر النازحة الذين يقطنون في إقليم كردستان. لكن البحث عن دورات اللغة الكردية، يضيف محمد رئيس منظمة تمكين الشباب الكردستاني، لا يقتصر على الأفراد فحسب، "فقد تحدث إليّ عدد من مدراء الشركات والمسؤولين العرب الذين يعملون في حكومة إقليم كردستان إضافة إلى بعض أعضاء البرلمان العراقي مطالبين المنظمة بافتتاح دورات خاصة ليتعلموا فيها اللغة الكردية".
يذكر أن اللغة الكردية هي اللغة الرسمية الثانية في العراق حسب الدستور العراقي، وهي لغة التعامل الرسمي في محافظات اقليم كردستان الثلاث، وفي المناطق الأخرى ذات الأغلبية الكردية.